Archive for the 'قصة قصيرة' Category

الحَمَل

15 جانفي 2013

DALL·E 2023-11-23 22.38.17 - Create a vivid scene in the desert under the blazing midday sun. Show a flock of sheep led by a black dog with a shepherd following. The atmosphere is

في وضح النهار، وعند انتصاف الشمس للسماء تسطع وهجاً في الصحراء القَاحلة.

يتحرك قطيع من الغنم وفي المُقدمة كلب أسود وخلفهم الراعي. تمتلئ الصحراء بالكثير من الكائنات من حيوانات وحشرات ضارية، تكمن في الصحراء مختبئة منتظرة قدوم الفريسة المناسبة، هذا ما يراه الراعي، يهرب من قانون الطبيعة ليُغفل الحقيقة أن الطبيعة ذاتها أسمى وقوانين الطبيعة سواءاً آمنا بها أو أنكرناها فهي قوانين سارية رغم أنف الراعي. الغنم لا ينتظر إلا تعليمات الراعي ويهابونه ويرتعدوا من كلبه الأسود.

***

في ذات اليوم غفل الراعي تحت الشجرة التي إعتاد أن يرتكن إليها كل عصر يومياً حتى تأكل الغنم ما تريد؛ ويشاء القدر أن يَمرَض الكلب الأسود وأصبح جُثة لا يسري فيها إلا النفس .. الروح والجسد مُتعَب.

لم يكن يتربص بهم ذئب أو ثعلب أو أي حيوان ضاري، ولكن من بعيد اقترب منهم تيس، جديٌ عجوز رمادي اللون تتخلله خطوط بيضاء، نظر لهم بشفقة وحدثهم قائلاً:

– يا لكم من قطيع أحمق بائس، تتبعوا الراعي وتخنعوا لعصاه المشقوقة!

فرد أحد الحملان:

– ماذا تريد أيها التيس؟ أتريد أن تُعصينا على مالكنا وولي نعمتنا؟

– يا لك من متحمس يافع! أتعلم إلى أين يقودك؟ وما مصيرك  بين يديه؟

زعق بعض الغنم في أصوات متباينة:

– إنه يحمينا من شر الصحراء وما بها من كائنات قد تفتك بنا كالحيوانات الضارية؛ ذئاب كانت أو ضباع أوثعابين أو ما نجهل منها.

– ما مصيرك؟!

– الراعي يعلم، ألا نثق به! ألا نثق بمن يحمينا؟!

– ألن تكونوا طعامه؟ ألن تسدوا جوعه؟!

– ماذا تقصد؟!

– سيروا خلفي وسأضمن لكم عدم تورطكم، وستجولوا في الصحراء الواسعة.

رد الحمل مُتردداً:

– أنا مُقتنع ببعض كلامك، ولكن إلى أين سنذهب؟

صاح الخروف العجوز الذي يبدو عليه الضيق بسبب هذه المُحادثة:

– إرجع أيها الأحمق، كيف تفكر بهذا الشكل! أستتبع التيس ذو الرائحة العَفِنة؟

رمق التيس الحمل بنظرة شفقة ممتزجة بالأسى لحاله..

فهرع الحمل قائلاً:

– سأذهب معه، من سيأتي معي؟

صمتت جميع الخراف ولم تَرُد بشيء، فودعهم الحمل ولم ينبسوا بشيء.

***

في الطريق، نهاية الأفق حيث اختفى الغنم، فتحدث الحمل راغباً في كسر الصمت منذ رحيله مع التيس.

– ماذا سنفعل أيها التيس؟

لم ينطق التيس، نظر له نظرة مُصمتة خالية من الشعور، وأكمل مسيرته، والحمل يتبعه.

***

حل الليل، الظلامُ الدامس حيث لا قمر تتوسد السماء ولا توجد غي  النجوم ذات الضوء الخافت.

همسات الفئران البرية، وهمهمات الطيور الليلية تخرق أُذنا الحمل. يرتعدُ خوفاً.

فينهض ليرتكن بجوار التيس ويحدثه قائلاً:

– إني خائف، ألسنا في مأمن؟

وبالنظرة المُصمتة ذاتها رد التيس:

– أتظن ذلك؟

وأتبعها بضحكة خفيفة صفراء مُعلقاً:

– يالك من حمل بائس!

تعجب الحمل وزاد ذُعره، وقال والرعشة تسري في عموده الفقري:

– لقد أغويتني أيها التيس، عليك اللعنة!

فعاجله التيس قائلاً بتهكم:

– لم يكن عليك الرحيل معي أو البقاء معهم، إنك أحمق، مُجرد تابع، أكمل طريقك معي للنهاية.

– كيف لي أثق بك، وأُكمل معك الطريق؟

– لا علاقة للثقة بالطريق.

سئم الحمل حديث التيس وابتسامته الصفراء، فركض بعيداً عن التيس، وكل ما يسمعه صوت ضحكات غالية تتباعد.

***

أمسى الليل والظلام ملاذ الحمل، كيف يعود ويرجع..

اشتاق للراعي وعصاه، وحزن لرحيله عن التيس، أمسى عُرضه للضواري.

العواء يملأ الليل، سكون الليل أمسى مُستحيلاً، ووجد الحمل شجرة ولم يملك إلا أن يمكث تحتها، جسده يلتصق بها، وأخذ ينتظر لحين بزوغ الفجر.

جَرِيمَة

7 جانفي 2013

الكلمات قد لا تفي بما قد علمت وما أعمله الآن؛ وما سأعلم. حائرٌ بين النسبية والحقيقة الخالصة، والتفكير ما بين التحريم والكراهية والخوف.

حاولت أن أكتب وأنا في هذه الزنزانة؛ ولكن ضربات السياط كانت أقوى. منذ أن أمسكوا بي، وأنا أحاول أن أُغلق فمي قدر الإمكان.

***

الاسم: غير معروف

العرقية: شرق أوسطية

الُعمر: عشرون تقريباً

سبب السجن: مجرد فكرة وهي مُحاولة التأثير على الآخرين وعلى إتخاذ قراراتهم، وزعزعة استقرار الرأي العام.

غسيل دماغ! يالها من دُعابة حمقاء. كيف أفعل ذلك وأنا مُجرد راعي لبعض الأغنام، أهذا سبب؟

***

قرأت بضعة كُتب لبعض المفكرين الغرب والشرق الأقصى، تشربت أفكار، أفكار في قمة الخطورة. ما بين الحقيقة والكذب والتضليل.

ذلك الراعي يظن أنه قادر على تغيير مصييره، ماذا يعلم؟

أهو الرجل المنشود؟

أحمق!

***

البعض يبحث عن الحل، والآخرون مُجرد ذات إمعة غارقة في إشباع اللذات الدنيا.

المكاتب الواسعة والملابس الفخمة والسيارات الفارهة، ويخافوا من مجرد راعي؟

***

ياله من مدعٍ! يريد إفساد الذوق العام، وإنحطاط مستوى الحضارة، ودَبغ الثقافة بلون لا يليق بنا.

رجوع

6 جانفي 2013

عند أبواب هذه المدينة ، ذات الرسوم والنقوش القديمة التي تظهر تجاعيداً تُكسى بالتراب.

يقترب منها مدخلها شاب في العشرين من عمره، يحمل على ظهره حقيبة من القماش، الحقيبة نصف ممتلئة ورملية اللون.

تفاصيل وجه هذا الشاب تُفصح عن مُعاناته وشقائه، ولكنه عاد.. لقد رجع للمدينة.. يُتمتم لنفسه: أسوار المدينة لم تتغير فكيف حالها من الداخل؛ أمازالت كما هي؟!

وفي اللحظة التي تطأ قدمه اليُمنى المدينة، يأخذ نفساً عميقاً، الرائحة كما هي تُذكره بما مضى من طفولته… وبداية رحيله عنها.

الجانب المُظلم لمؤخرة القرد

6 جانفي 2013

في تلك الليلة، في قمة ضحكي الهستيري، كُنت الوحيد الضاحك المدمع بين أصدقائي؛ فقد إكتشفت ذلك الخطأ الذريع الذي إرتكبه داروين من خلال نظريته التي تنص على أن الإنسان مجرد تطور طبيعي للقرد.

في نفس الليلة، ضغطت على زر جهاز التحكم من بعد للتلفاز لأجد أحد الساسة يُندد بما يفعله المتطرفون ويكيل لهم بالسب والقذف والتنكيل، وهنا يوجه كل قوته وما ملك وما لايملك لإبادة هؤلاء الهمج.. الغجر، ولو فهم الحقيقة وواجه المرآة، سينعكس الضوء على ذاك الجسد ليوقن أن ما يراه مؤخرة قرد وأنها الجديرة بالإعدام لعطبها وإفسادها الأماكن العامة بالفضلات التي تتركها فتسيء للمارة، وهاهم الباعة الجائلون يصيحون بزقاً بالقرد ولكنه لاسمع لا يُبالي؛ الهراء يشغل أوصاله، استراح لظنه أنه فعل ذلك من أجلهم فكان من الممكن أن يترك فضلاته بين منتجاتهم وسلعهم، وبعد أن يُبين وجهة نظره سيحترمه الباعة ويبجلوه ولكن فيما بينهم ما زال هو القرد الأشعث الأحمق.

وهناك  يُحب هذا الطفل منظر تقافز القرد وصرخاته، وجَدهُ جالس في الحديقة العامة يقرأ جريدته اليومية ذات الصفحات البيضاء كبياض أسنان القرد، وعيون الجد سوداء كالليل، الليل الذي لن يملؤه السكون فالسر الكامن في عقل القرد هو اللغز ومن يستطيع قراءة اللغز لن يستطيع حله.

كان ذاك القرد يوماً انسان أبيض البنان، مُؤمِناً الأمان فكان ذلك ماكان، وذهبت السنون وحُدَت الأسنان، وفُرِغَ الدِماغ وَوضع صُندُوق تروس، وكُسِرَت أسنان التِرس الأوليّ بسبب الصدأ الذي نتج بدوره بسبب الصناعة رديئة، عَقلٌ رَديء.

كان إنسان، والآن هو قِرد.

نهاية النظرة.

حكَاية مُرتَصِف

14 ديسمبر 2012

يجلس بمفرده على الإسفلت غير مهتماً بالرياح الباردة التي تلفح وجهه، يتكئ على الرصيف يشاهد المارين بجواره والسيارات الفارهة، بيده رغيف يمتلئ بالفول تتساقط حباته،يحك شعره الأكرت المتسخ الذي تخطلت دهونه بالغبار. لا يتكلم ولكنه يتابع بحدقتيه الواسعتين، لا يبتسم ولا يعبس، غير عابئ بمن يلقى له قطع فضية.. يتثاءب في نهاية يومه فاغراً فاه ليفصح عن أسنان شديدة الإصفرار تفيض باللعاب، وينحني جانباً بدون أن يبرح مكانه ليبصق دماً ويسعل بصوت منخفض، فيعتلي الرصيف الذي كان يستخدمه أريكة، ويستلقي على ظهره، ويظل مُحدقاً في الشُرف التي تُبرزها البنايات المُحيطة حتى يغلبه النعاس فيغط في النوم كطفل رضيع.

على مضض

15 أكتوبر 2012

أقف في منتصف الشارع في هذا الصباح المتأخر.. أريد سيارة أجرة. قلما تمر سيارات الأجرة من هذا الشارع الجانبي، ولكني لا أعبأ. اليوم إجازتي؛ ولكن هناك بعض الأوراق التي أود أن أنهيها من بعض المصالح الحكومية.
هاهي أجرة تمر من أمامي طرازها قديم ولكنها تؤدي الغرض.. ألوح لها بثُقل يدي التي تتمنى ألا تقف لي.. كلنا نحب ركوب السيارات الفارهة وكم هي مريحة كراسيها، ولكن السيارة تقف وأركبها على مضض بدون إظهار عدم إرتياحي.
السائق لحيته تخفي وجهه لا هو متهجم ولا هو مبتسم.. هذا النوع من الساقة لا أرغب في تجاذب أطراف الحديث معه، أظن أن مشكلة إطلاق الأحكام المُسبقة ترافقني أينما ذهبت. أقتضب في الحديث وأخبره وجهتي المقصودة:
-السجل المدني..
غالباً لا أضيف كلمة أسطى أو باشمهندس كعادة الناس في الحديث مع سائقي الأجرة، ربما لمقتي تردد اسم وظيفتي *مهندس* وعدم احقيته لها..
على أية حال، إنطلق السائق بهون ولم تتعدى سرعة العداد الثلاثين كيلو متراً في الساعة.. هذا أحد عيوب هذه الأنواع من السيارات. لم ينظر إلي ولكنه قام بإعلاء صوت الكاسيت ليصدح صوت شيخ بالوعيد والإنذار والتحذير وكل درجات التهديد.. امتعضت قليلاً وحاولت بقدر المستطاع أن أكتم رأي في هؤلاء المُجلجلين، ونقطة أخرى لا أنوي إنكارها؛ رد السائق سيكون عنيفاً وستتطور الأمور كالعادة للتكفير والقذف بالكفر، والجدال مع أصحاب العقائد الصلبة صعب، ما يظنونه حقيقة لا جدل فيه والمخالف يُرجم إذا سمح لهم المتصدحين بذلك.
يزداد عواء الكاسيت، حتى طفق بي الكيل.. وقلت بنبرة حادة:
– أخفض صوت الكاسيت قليلاً لو تكرمت.
كلما أنوي الإنقضاض على هؤلاء وأمثالهم، يلين قلبي ويأتيني يقين بعقلهم الضئيل وضيق الأفق وأعلم أنهم مُسيرون يحتاجوا لراعي.. هل نحن ذئابٌ ضالة؟ هذه وجهة نظرهم.
يرمقني السائق بنظرة سخطٍ ويمد يده ليُخفض صوت الكاسيت.
ويقول هو الآخر بامتعاض:
– لا إله إلا الله.
وأرد عليه بصوت خفيض:
محمد رسول الله.
يرجع السائق لما كان يفعله السكون.. وصوت محرك السيارة هو الذي يعلو صوته على صوت الصادح. أنظر لساعة يدي ليس إلا تعجلاً لإنهاء هذه الرحلة الطويلة نسبياً.. أوقات السعادة قصيرة وما أطول ساعات الضيق.
هاقد وصلت للمحطة المنشودة، أترجل تاركاً عُملاتي الفضية للسائق الذي لم ينبس ببنت شفة، ورددته نفس المقال والإحساس.

عِشُ الغُرَاب

17 نوفمبر 2011
Raven's Nest

ظلٌ يلي ظل تحت ضوءِ القمرِ، كُنت أتأمل النجوم، يالها من ليلة! النسيمُ يخترقُ أنفي لأشعر بسعادةٍ عارمة.
الليلُ أمسى ملاذي وعوني.
بعضُ الناسِ يخافوا الليلَ وظلامَه؛ الظلامُ الذي يخفي الكثيرَ مما لانرى، البعضُ الآخر كالخفافيش لا يستيقظوا إلا في بدايةِ الليلِ .
*****
هذه الليلة لم تكن كباقي الليالي التي عرفتها، كنت أقرأ بعضا من سطور الشعر، هذه السطور الحزينة هي اللائقة لبداية فصل الخريف الذي قد حل.
دُق الباب، فقمت عن الكرسي الذي تعودت على اهتزازه وقت القراءةِ، اتجهت نحو الباب. فإذا بالريح هو الطارق.
"لا أحد هذا ماكان ينقصني.
أغلقتُ البابَ ورجعت لمكاني، وقبل أن أجلس، فكرت أنه من الأفضل أن أصنع فنجاناً من القهوة لينعشني.
اتجهتُ للمطبخ وأشعلت الموقدَ وهممت بوضع السكرِ والقهوةِ، وإذا بي أفكرُ، تلك الأفكار تراودني في الليلِ، حلمٌ بعيدُ المنالِ أن اصبح كاتباً مشهوراً، وأخذتُ أتمتمُ بتلذذٍ كأنها موسيقى 
"الليل مكان ٌ . . الليل زمانٌ . . الليل إلهام كل فنانٍ".
بعضُ السطورِ ليس منها ضير، اتجهتُ حاملاً الفنجان إلى الكرسي الهزاز، وريثما جلست فإذا بالباب يُدَق مرةً أخرى ، ولكن هذه المرة بعنفٍ.
*****
هذا المنزل قد ورثته عن جدي، ذلك المولع بالقراءة، بالموسيقى، تقريباً كل أنواعِ الفنونِ، في عنفوانِ شبابِهِ قد كَدّ في عملِهِ لكي يَبني هذا المنزل ليكون مَكَانَ راحتِهِ بَعْدَ سِنِينِ الكَدّ، وهذا الكرسي العتيق قد شَهِدَ سَيرَ عيناه على الكلمات، قد تَعِبَ كثيراً حتى نالَ مُرَادَه؛ مزرعةٌ صَغِيرةٌ يتوسطها منزلٌ صغيرٌ، لقد زَرَعَ جنةً على الأرضِ، كان يؤمنُ بأن الحياةَ البسيطة هي الأفضل لكل بني البشر.
*****
تقدمت نحو الباب آملاً أن أجد ماهو مريب؛ لعل الشغف هو مايكتسيني الآن، وقبل أن أفتحَ البابَ، غرقتُ في حُلُمٍ، أن يكون خلف البابِ شخصٌ غريبٌ، فأدعوه وأجلس لأتحدث معه، أحياناً أشتاقُ للتسامرِ مع الناسِ.
كرهتُ الناسَ، الطمعُ و اللاأخلاقيات أصبحت سِمَاتهم الأساسية، النفاقُ والرياءُ هم الوسيلة.
ولكن أشتاق للتسامرِ.
أفتحُ البابَ وإذ بالهواءِ يُمَازِحُني مرةً اخرى، ذلك البابُ الخشبي أصَبَحَ لايُطَاقْ؛ كالوحدة تماماً. سأرجع لمكاني.
*****
كُنْت أعيشُ في وسطِ المدينةِ. كُنْت مُوَاطِناً عَادِياً، كلُ ماأعرفُه عن هذهِ المزرعة هو حديثُ جَدْي، في بادئِ الأمر لم استسغ فكرةَ العيشِ فيها، كلُ ما حلمت بهِ هو منزلٌ في نفسِ المدينةِ، الأثاثُ العَصْرِي؛ كلُ ركنٍ في هذا المنزل على الطرازِ الغربي، كُنْت مبهوراً بالغربِ.
ولكن كل ماكُنْت أراهُ في الحقيقةِ هو تهاوي الفضيلةِ في مستنقعِ المُحرماتِ، الأحداثُ اليومية في المدينةِ تقتلني، الجرائم . . الشرطة . . . الباعة . . . النفاق . . . المادةُ أصبحت الوسيلة والغاية والهدف!
*****
حِينَ رُجُوعِي للكُرْسِي، ذُهلْت! وسَقَطَ من يدي الفنجانُ و انِسَكَبَ على السجادةِ.
غُرَابْ!
ماأراه هو غرابٌ على الكرسي، كيف دَخَل؟!
النافذة؛ عبر النافذة! لقد كانت مفتوحة، هكذا أتيت أيها اللئيم. 
لوحت له لأن يَرحَلَ، ولكنهُ ثابتٌ على الكرسي.
قُمْ أيها العنيد، إِرْحَلْ.
يالك من طائرٍ شُؤم. ما الحل؟ قل لي كيف أَطْرُدُك؟
أريد أن أجلسَ، ولكنهُ أَخَذَ مكاني، أسيسعني أن أنتظر حتى يرحل.
*****
مَزْرَعةُ جَدْي أَصبحت أعشاشاً للغِرْبَانْ.
هذا الطائر الأسود ذو الصوت الرَخّيم المُنفر، لا أَدْرِي كيف أتى، جَدْي قد أثقل ظهري بذلك الحِمْل، كيف أرعي المزرعة وليس عندي أدنى فكرة عن الزراعة، وَظَفْتُ مُهَنْدِساً زِرَاعِياً وعُمَالاً لكي يجتهدوا في المزرعةِ، ولكنهم كانوا كسالى مَادّيين فَطَرَدتُهم، ولم أَجِد حتى هذا الوقت أحداً آخر ليعملَ فيها، الوحيد الجاد في حصْدِ المحصولِ لنفسه هو ذلك الغُرَابْ الذي قاد سربه بأكملِهِ للمزرعةِ.
*****
اللعنة! فلترحل. أجهدني الكلامُ، فَقَررتُ أن أذهبَ لأنالَ قسطاً من الراحةِ، تَرَكْتَهُ وتركت لَهُ النافذة مَفْتُوحةً، لعله يرحل!
في الصباح أستَيقَظْتُ، المنزلُ هادئ لعله رحل!
وقبل أن تكتملَ إبتسامتي، صُدِمْتُ بوجودِ السربِ كله في المنزلِ، لعلي أخطأت بترك النافذة مفتوحة.
أظن أنه علىّ الرحيل، حَمَلتُ ماأستطعتُ من حاجياتي وتَرَكْتُ المَنْزِلَ.
*****

المبنى

27 سبتمبر 2011

قطرات الماء تتساقط مصدرة صوت عال، لا صوت يعلو صوت ارتطام قطرات الماء بالأرض، يفتح عيناه، ينظر لأعلى، لا مصدر للضوء، ولكنه يرى.

الغرفة التي يمكث بها شبيهة بغرف المستشفيات. لون الجدار شاحب كذاكرته التى لا تملك إلا صور متتابعة من جذب ودفع، وكؤوس تتحطم، رجال يتخبطوا .

 ينظر لنفسه ، لايجد إلا رداء المستشفى على جسده؛ يوقن أنه في مستشفى، ولكنها ليست مألوفة.

يحاول القيام عن فراشه، وهاهو قد اعتدل وجلس على السرير، إنه في كامل قوته . ليس بمريض، يتجه إلى ذلك الصنبور الذي كان يسرب الماء، ويفتحه، يغسل وجهه ويشرب، وياله من ماء نقي . .

يجذب إنتباهه ذلك الخيط الأبيض المربوط حول معصمه، يحاول خلعه، ولكن ليس هناك أي جدوى، الغرفة ليس بها إلا سرير وصنبور،  يجول بخاطره :

  • أأنا محتجز هنا !

يندفع نحو الباب وإذا به يفتح الباب، إن الباب ليس مؤصد.

يخرج وينظر للخارج، إنه ممر والأبواب بالخارج كثيرة، يسير ويحاول إيجاد أي أحد ؛ هذا المكان يبدو مهجور، يتقدم نحو أبواب الغرف الأخرى ويحاول أن يجد أي مخلوق، ينادي لعله يجد أي شخص، ولكن لا من مجيب.

 يبدأ الشك أن يساوره ، وأنه مرة أخرى محتجز، يجري يمينا ويسارا هروبا من شيء لا يعيه.

يجد سلما يوصل لأعلى ولأسفل، يركض لأسفل، لعله يهرب من ذلك المكان الغريب.

 *****

 الصمت رفيقه، الرعب يملأه، دقات القلب في تصاعد مع سرعة الهبوط على الدرج.

يهبط عن السلم و ينظر لأسفل عبر السلم، ولا يجد أي نهاية لذلك السلم، ينهك من النزول. ويدخل للطابق الذي أنهك عنده. إن الطوابق متشابهة؛ الفارق الوحيد أنه بالنزول لأسفل ألوان الجدران إزدادت شحوبا، والصدمة تزداد والخوف يصاحبه أينما تحرك.

يبحث عن أي غرفة مختلفة؛ لعله يجد أي اختلاف، الاختلاف قد يريح شدة توتره .

الانسان عادة طماع، وفي الأحيان الأخرى قد يقبل بالخوف عوضا عن الذعر الشديد!

*****

 وهاهو الباب المختلف، يرتاح لبرهة، ويفتح الباب، إنها غرفة بها أدوات، وكلها أدوات حفر و مطارق و كثير من اليدويات، ياللصدفة يبتسم قليلا وكأنه وجد ماقد ينقذه .

  •  لقد ابتسم لي القدر، فلأخرج من هنا .

 يأخذ المطارق والأزاميل، ويركض لأخر الممر، ويبدأ في الكسر و التحطيم.

 الجدار لا يحطم، لعله لا يكسر بالقوة الكافية، ولكن الجدار كان صلد، والطرقات من الممكن أن تهدم منزلا كاملا، القوة استمدها من اندفاع الأدرينالين، ولكن كلها تبدد في الهواء.

 انهار وسقط مغشيا عليه .

*****

 يفيق مستيقظا من غشيته، ولكنه ليس على الأرض، إنه في نفس الغرفة الأولى التي استيقظ فيها من قبل. الذكريات تندفع في عقله . . . حديقة . . . أشجار . . . المطر . . . لكمات في وجهه . . . الدماء على الأرض . . ولكنه يرجع لأرض الواقع .

 ينظر حوله في الغرفة، لا يوجد الصنبور، ينظر لمعصمه، يذهل الخيط أصبح أسود.

يجري مندفعا للخارج، .يبحث عن تلك الغرفة المختلفة، وكأنه يبحث عن طفله الضائع، ينزل عن الدرج، يركض بكل ما أعطي من قوة، الدم يغلي في عروقه.

حتى وجدها، إنه نفس الباب . . يدخل . . يجد نفس الأدوات، كوضعها الأول، يخرج كل شيء . حدسه يخبره أن يخرج جميع الأدوات بالخارج، الغرفة أصبحت مثل باقي الغرف بالمبنى، ولكن الفارق الوحيد هو ذاك الستار بنهاية الغرفة، يتقدم ويفتح الستار.. نافذة. . . صاح :

  • وجدت المنفذ . . .

نظر إلى خارج الشباك ؛ واكتملت دهشته، ليس هناك أرض إنه في السماء . . . كل مايراه سماء صافية لا شمس . . . الطوابق من الخارج لأعلى تبدو بلا نهاية وبالمثل للأسفل.

تحدث لنفسه قائلا . .

  • لقد علقت، ليس هناك منفذ، أين أنا .. أأنا ميت الآن ؟! إني محبوس، إرحمني يا رب!

ويبدأ بالهذيان ويسقط مغشيا عليه مرة أخرى . . .

 *****

 من أوراق 2008

العرافة

27 سبتمبر 2011

ذلك المكتب هو حياتها ، قضت أعوام الدراسة الجامعية لتتخرج وتعمل في ذلك المكتب، مكتب أبيها، أحلامها عادية، الفارس والحصان الأبيض،  ولكن العمل قد طغى على ذلك ، أصبحت يوميا تنهض مبكرا  ،تأخذ دشا باردا، تُفطر ، ثم ترتدي ملابس العمل، و من ثم تنزل للمكتب. المسافة إلى المكتب كانت بعيدة لأن تأخذها سيرا على الأقدام؛ ولذلك فهي تستقل الحافلة، تنتظرها دائما عند آخر الشارع التي تقطن به، تحب القراءة، تستغل وقت الذهاب والعودة في قراءة الروايات، هذه الرواية كانت تهرب بها من الواقع لعالمها الخيالي.

تلك الأعمال المكتبية كالحسابات والأوراق، أغرقها، فالعمل أصبح العنصر رقم واحد في حياتها، ومن الصعب أن تغيره. في نهاية اليوم، بعد الوصول للمنزل، تجهز العشاء، وتجلس قبل الطعام محدقة في الصورة المعلقة على الحائط في الصالة، صورة أبيها والشريط الأسود فوقها، تتأملها، وتتنفس الصعداء، وتبدأ في تناول الطعام.

أحيانا كانت تزور صديقاتها،  ولكن في معظم الأحيان كانوا يزوروها، لعل وحدتها هي السبب، الزيارة القصيرة التي تدوم الساعة ولا تتعدى الساعة ونصف الساعة، تنسيها الوحدة، وبعد رحيلهم، تعود لصديقتها الأولى، الوحدة.

*****

مجرد يوم في وسط الاسبوع، كباقي الأيام، ركبت الحافلة كعادتها. تجلس في مقعدها المعتاد بجوار النافذة،  وهاهي تخرج الرواية، وتتابع القراءة من حيث توقفت بالأمس، روايتها تأخذ منعطفا خطير، البطل يوشك على الموت، الرصاص يتناثر، البطل يقفز . . . و . .

  • أتملكين منديلا أيتها الشابة ؟!

تلتفت إلى جوارها،  إنها سيدة عجوز، شعرها فضي اللون . . . عيناها غائرتين . . صوتها كالفحيح . . تنظر إليها . . .

  • منديل ؟

تبحث في حقيبتها وتخرج منديلا ورقيا ، وتسلمه للعجوز .

  • تفضلي ياخالة .

  • شكرا يا أيتها الشابة .

تنظر لتلك العجوز وهي تمسح أنفها، لابد أنها نزلة برد، وتعاود قراءة الرواية . .

ولكن العجوز تستوقفها . .

  • إلى متى ستظلين تقرأي ؟!

  • إلى حين أصل للعمل . .

  • لا أقصد ذلك . .

  • ماذا تقصدي ؟!

  • لا أعني اليوم بل عامة، إن القراءة لن تفيدك كثيرا في حياتك .

  • وماأدراك . . ؟

  • استمعي لي،  أحمل لكي نبؤة . .

  • نبؤة ؟

  • نعم،  أتريدين معرفتها ؟

عادة . . هي لاتثق بكلام العرافين، تعتبرهم دجالين، محتالين؛ كل همهم أن يوقعوا بالانسان الذي يقف أمامهم ويستغلوه،  ولكنها لم تقابل أحدهم، تسمع عنهم من أصدقائها والعاملين بالمكتب .

وياللقصص التي يروجوها عنهم؛ ذلك الرجل مبروك، ويرى المستور، تراهات . . . كلها ترهات .

ولكنها الآن جالسة إلى جوار أحدهم، وهاهي العجوز تهم بإخبارها عن مستقبلها أو ماسيحصل لها قريبا، أستستمع لها، وهي لا تقتنع بحقيقتهم .

أسيضرها إذا استمعت لتلك العجوز، تنظر للعجوز و ترى كيف أن الزمن قد ترك علاماته وأوقاته على وجهها، ترهبها قليلا، ولكن ماذا سيضرها ؟

  • أخبريني ماعندك ؟

  • اسمعيني جيدا ، انها ليست نبؤة جيدة .

ارتبكت الفتاة وقالت :

  • تابعي . .

  • اليوم، إلى أن تغرب الشمس،  قومي بإنجاز ما عليكي، فستلقين حتفكعما قريب . أعذرني كان علي أن أقول لك ذلك .

ارتعدت الشابة والتزمت الصمت، وهرعت لروايتها،  كيف تستمع لهذه العجوز؛ كم هي حمقاء لتفعل ذلك، ولكنها قد وصلت للمكتب، نزلت عن الحافلة، وتركت العجوز، تلك العجوز ذات النظرة المخيفة والعيون الغائرة.

*****

تدخل المكتب، تتوجه حيث تعمل، وتجلس، كلام تلك العرافة قد أثر فعلا فيها، القلق يساورها، ولكنها في مأمن، لقد قالت اليوم ستتم هذه الحادثة .

يدخل الساعي وبيده فنجان القهوة اليومي .

  • تفضلي يا أستاذة .

لم ترد . . هذا الموضوع قد احتل ذهنها،  كلمات العرافة تتردد في ذهنها .

هذا اليوم لم تنجز الكثير من عملها، بل أجلته، وكل هذا للتفكير، كيف هذا يحدث، ألم كانت لا تؤمن بكلام هؤلاء، كانت تحتقرهم، والآن تستمع لهم، تجادل نفسها ذهابا وإيابا في أركان عقلها،  ما بين أنه كلام قد يحدث و بين أنه كلام كاذب، ليس له أساس من الصحة، لقد تغير يومها .

*****

تركت مكتبها وخرجت، إنها تفكر فيما ستفعل، إن حياتها على وشك الإنتهاء، تسارع في الرحيل. تستقل سيارة الأجرة، وكلمات العرافة تجلجل في أذنيها.

وصلت المنزل، تدخل . . تسقط على المقعد من شدة التعب، شريط من الذكريات والأحلام تمر بمخيلتها، ماقد حدث وما حلمت به، تتذكر كلمات الأمل قد تحدث عنها والدها :

  • حينما يذهب الأمل، فلا حياة ممكنة، لايمكن أن تعيش بدون الأمل، لأنه أكسجين الحياة،  اليأس يعني النهاية. . مثبط الحياة .

تلك الكلمات أوقفنها لوهلة .

  • ياللحماقة، ماذا أفعل ؟ لقد انصعت لتلك الدجالة.

وكأن كلمات والدها ذات طابع ساحر، تحركت من مقعدها، واتجهت للدورة المياه، وغسلت وجهها، ونظرت للمرآة . . وقالت لنفسها:

  • كوني قوية،  لن تقتلكي بضعة كلمات.

رحلت واتجهت للمكتب، ولكن هذه المرة، كانت في حماس عظيم.

الشوارع شبه فارغة منتصف اليوم، استقلت سيارة الأجرة وانطلقت.

*****

أنهت أعمالها، وياله من يوم به شبه تغيرات فكرية محورية،  ولكن اليوم قد انقضى، ورجعت المنزل وهي تضحك؛ الضحكات هيستيرية، كيف صدقت تلك العجوز، لم يحدث شيء، قامت كالعادة تحضر عشائها، وتناولته. وحضرت بعض صديقاتها، وأخبرتهم بما حدث و تصاعدت ضحكاتهم، وانتهى اليوم . . يالها من مفارقة .

حان وقت النوم، تمتمت في هدوء يحمل الراحة في كفه :

  • انتهى اليوم.

وغطت في نوم عميق . . .

تستيقظ في الصباح، اليوم عادي كأي يوم آخر . . .

ترتدي ملابس العمل، وتفطر، وتهم بالنزول، تتذكر ماحدث بالأمس،  وتندم لأنها تركت العرافة تحدثها وتعبث بعقلها، وهي تفكر . . . تلتفت ليمينها ، فإذا بسيارة مسرعة تنتشلها من على الأرض وتلقيها على الجانب الآخر من الطريق.

كل ماتفكر فيه هو النهاية .

إلى أن ارتطمت بالأرض الصلبة، شهقة عالية، الظلام هو مايحيطها.

انها مازالت تتنفس . . .

انها مازالت في سريرها . . مجرد كابوس، أطغاث احلام، صراعات نفسية . . . خطؤها الوحيد بأنها أمنت قليلا بالعرافة . . . ولكن أيامها عادية وظلت عادية .

*****

من أوراق 2008

الوداع

27 سبتمبر 2011

إنها الليلة ، الليلة المنتظرة . .

جمع كبير ، موسيقى صاخبة ؛ القاعة ممتلئة ، العروس والعريس جالسين إلى جوار بعضهما البعض .

  • أليسا عصفورين جميلين ؟

  • ياه ، لقد إنتظرت كل هذا الوقت لكي أرى إبنتي العزيزة في عرسها . .

  • مابالك أتدمع عيناكي ؟!

  • وكيف لا تنزل دموع الفرحة .

والدي العروس يتجاذبا أطراف ، والنشوة في هذا العرس قد بلغت ذروتها ، والباقي لإنتهاء الحفل ساعة .

الموسيقا تدوي ، والرقصات تتكاثر ، الشباب يتحركوا يمينا ويسارا فرحين بهذا العرس ؛ لعلهم ينالوا مثله .

إلى أن دخل الحفل ذلك الشاب ، أُخرست الموسيقى ، صدم الحاضرون بالحفل ، إنه هو ، كيف استطاع أن يحضر، لم يتوقع أحد مجيئه ، يالجراءته!

*****

البحر هو من كان يستمع لحديثهما ، قد تستطيع أن تجعل أي شخص أن يقر بالحقيقة، ولكنهما إستئمنا البحر، ذاك ﻷن قاعه بعيد.

أحلام الدنيا كانت أحلامهم، كانوا قد خلقوا بعضهم لبعض، التوافق واحد ، النظرة كهمسة لا يفهمها إلا هما .

  • أستكون لي وحدي ؟

  • سأكون يا من أعشق في حياتي، أعدك ؛ وعد من دمي لا يمكن أن أخلفه، ولن يأخذك أحد مني .

  • أنت مجنون ، لن أكون لغيرك.

وهاهي تبتسم ، وهو ينظر إليها بأمل و خوف من المستقبل ، مازالا صغيرين لم يتخطا أحدهما العشرين من العمر .

  • هذه الإبتسامة هي أملي ، وهدفي، فلاتخذليني . .

*****

يتذكر كل حديث دار بينهما ، الشوق والحنين، الأمل . ذلك العاشق ، قد دخل العرس ، والذكريات تطارده ، كل الكلمات تدفق لذهنه .

صرخ والد العروس في وجهه :

  • ماذا أتى بك إلى هنا ؟

صمت العاشق ، وتابع مسيره للعروس ، يتهاتف الحضور ، ولكنه لا يسمع شيئا إلا كلمات الوداع التي تؤلمه . . . قلبه . . عقله . . قد جرحوا ، لقد كانوا لبعضهم، وقد أبعد القدر بينهما، فمن سيلوم . . . القدر . . أم هي . . أم هو نفسه . .

*****

دقات قلبها في تصاعد ، لقد نقضت العهد ، ولكن كيف يمكن أن تنتظره ، أهلها سيمنعوها من انتظاره . . البحر وحده يعلم ، لقد اشتكت له ، دموعها اختلطت بمائه . .

تنظر له في انكسار ، كانها اجبرت على ذلك ، محاوله أن تخفي أنها كان لها بعض السبب في ذلك ، في افتراقهما ، إنها القمر وهو الليل . . . إنها السفينة وهو البحر . . . كيف يمكن ان تهجره . . .

  • لم جئت ؟

صرخت في وجهه ، والدموع تنساب من عيناها ، تلك العينان التي هو أحبهما .

لقد أصبح الصمت ، الندم ، الألم .

*****

إقترب منها ونظر لها ، وقال لها :

  • لن تكوني لغيري ، لقد وعدتك . . .

وهاهو . . . يخرج المسدس من طيات ملابسه ، الحضور يصيبهم الذهول ، أسيقتلها . . لقد كانا عشاق ، واذا كانوا قد تمكنوا من الزواج، لكانت قصتهما من احد القصص التي سيتغنى بها كل العشاق .

تصرخ أم العروس بآة ألم وخوف .

يبتسم بألم ، ويقول لها :

  • الوداع

ويطلق الرصاص،  وتنفجر الدماء ، لقد اطلق عليها الرصاص، وأطلق على ذلك العريس الرصاص .

والناس تصرخ، هاك الهرج والمرج ، الكل يركض ، مذعورين .

وقع المسدس من يده . وماتت ابتسامته . جلس على الكرسي المجاور لها بعد ازاحة العريس وحلت الكأبة بالمكان. حتى وصلت الشرطة .

وعندما اقتربوا منه ، رأسه كان منكس ، لقد مات .

لقد قتل نفسه بالسم قبل المجيء ، أهو مجنون ، أهو عاشق ، من قد يقر بذلك.

من أوراق 2008